على «كنبة» قديمة متعددة الوسائد، قريبة من غرفته الصغيرة في الطابق الأرضي، يتكئ حارس العمارة، يتأمل العابرين أمامه، منتظراً أي إشارة أو اتصال من السكان لتلبية متطلباتهم اليومية بمقابل مادي لا يتعدى الدينار في الغالب لبعض الخدمات البسيطة.
لكن في الواقع تلك المهنة باتت «تكسّب ذهباً»، بعد أن أصبح الحارس يتفنن في ابتداع أساليب جديدة توفر له موارد دخل اضافية، بدءاً من تنظيف السلالم مرة في الأسبوع، ورمي النفايات في موعد محدد من اليوم، وغسل السيارات، وأحياناً سجاد السكان، وهو أيضاً جامع لبقايا الأثاث التي يتركها مستأجرون مغادرون، فيعيد بيعها لسكان آخرين جدد بأسعار رخيصة.
صلاحيات واسعة
الأهم من ذلك، الكثير من ملاك العمارات أعطوا للحراس صلاحيات واسعة في إدارة شؤون أملاك عقاراتهم، باعتبار أن ذلك يوفر عليهم تكاليف إسناد إدارة العقار لإحدى الشركات المتخصصة، ليصبح الحارس المسؤول الأول والأخير عن تأجير الشقق الشاغرة وتحصيل الإيجارات الشهرية وتغطية جميع المتطلبات اللوجستية، ومنها إيصال أولاد السكان للمدارس القريبة، وتوصيل طلبات السكان من البقالات والمطاعم المجاورة، والقيام بالتصليحات البسيطة للكهرباء والسباكة والنجارة.
مزاولة السمسرة
رغم كثرة المعروض في العمارات السكنية، مازال هناك العديد من الحراس يزاولون مهنة «السمسرة» في عملهم، ولا يقبلون تأجير الشقق الشاغرة قبل حصولهم على عمولات قد تصل في بعض الأحيان إلى نصف قيمة الإيجار، وهذا قد يكون أحد الأسباب في تأخر تسكين الشواغر الآخذة في التوسع منذ تفشي جائحة كورونا بسبب مغادرة أعداد كبيرة من الوافدين. فضلاً عن أن بعض الحراس يؤجرون الشقق بصفة يومية من دون علم مالك العقار، بهدف عقد مناسبات اجتماعية مثل فتح بيت عزاء، أو للاحتفال بأعياد الميلاد وعقد قران وغيرها، أو تأجيرها بشكل أسبوعي لزبائن محددين.
دفع «بقشيش»
القبس تقصت الحقيقة من أهل المهنة، فيقول ياسر، وهو حارس إحدى العمارات في منطقة السالمية منذ 7 سنوات أن الراتب الذي يتقاضاه من المالك قليل جداً لا يكفي لسداد مصاريف عائلته المكونة من 4 أفراد.
ويضيف انه رغم ارتفاع تكاليف المعيشة فإن راتبه الشهري البالغ 100 دينار مازال ثابتاً ولم يطرأ عليه أي زيادة، لذا يرى انه أصبح مجبراً على المطالبة بدفع «بقشيش» مقابل أي خدمة مقدمة لسكان العمارة، إلى جانب الاتفاق المسبق معهم على دفع 10 دنانير تضاف على قيمة الإيجار من أجل غسل السيارة وجمع النفايات يومياً.
لا مانع قانونيا
أما مدحت - وهو حارس عمارة في أحد أحياء حولي – فيقوم بفرض عمولة تقدر بنصف قيمة الإيجار قبل توقيع العقد مع المستأجر الجديد، ولا يرى مانعاً قانونياً أو شرعياً من هذا التعامل، بسبب ضعف راتبه الأساسي البالغ 120 دينارا، والتزامه بتغطية مصاريف معيشة عائلته ودفع الأقساط الجامعية لولده الملتحق بكلية الطب في إحدى جامعات بلده.
حراسة بالجملة
بدوره، يقول الباكستاني محمد أفضل إنه يحرس 3 عمائر متجاورة في منطقة حولي تعود للمالك نفسه، وذلك منذ حوالي 4 سنوات، ويقوم بتنظيف السلالم وجمع النفايات من أمام شققها، وإصلاح بعض الأعطال البسيطة في حال طلب منه ذلك، ويتقاضى مقابل ذلك 5 دنانير من كل شقة خلاف مرتبه البالغ 150 دينارا.
تكليف شركات مختصة
مصدر مسؤول في احدى شركات إدارة أملاك الغير، نصح ملاك العقارات الاستثمارية بالاعتماد على أصحاب الاختصاص في تحصيل الايجارات وإدارة الشواغر وتوفير خدمات الصيانة للشقق.
وقال إن معظم حرّاس العمارات «يفتقرون الى أساسيات الإدارة»، وليست لديهم خبرة في كيفية إدارة العقار، مما قد يضر بمصلحة المالك والمستأجر على حدٍّ سواء وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من الشواغر في الشقق السكنية.
وأضاف أن بعض الظواهر السلبية التي يعانيها سكان العديد من العمارات المدارة من الحراس تتمثل في إهمال نظافة المبنى، وتهالك المصاعد الكهربائية، وتجاهل الصيانة الدورية للتكييف المركزي.. وغيرها، وهذه بعض أسباب تأخير تسكين الشواغر.
ولفت إلى أن الإدارة البدائية للمباني المعتمدة من قبل بعض الحراس تضر بمصلحة صاحب العقار، خصوصاً في ما يتعلق بتحصيل الإيجار عن طريق «الكاش»، ناهيك عن غياب الشفافية والتلاعب في فواتير الصيانة المقدمة لمالك العقار، مؤكداً أنه من ضمن المزايا التي توفرها الشركات المختصة في إدارة العقار الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة في تحصيل الإيجارات وإبرام العقود وفق ضوابط وخطوات شفافة، إلى جانب تطوير الخدمات المستحقة للمستأجرين وتلبية مطالبهم ومتابعتها أولاً بأول لتوفير الراحة لهم.
مؤتمن على السكان
لا يمكن التشكيك بأمانة ونزاهة جميع الحراس، فبعضهم أمين ومؤتمن بالتأكيد ووجودهم ضرورة لرعاية السكان، والسهر على أمنهم، وراحتهم ومنع الأعمال غير القانونية، ورغم أهميتهم يتقاضون رواتب زهيدة لم تعد كافية لتلبية متطلبات حياتهم المعيشية، وهذا الأمر جعلهم يتخاذلون عن أداء مهامهم الأساسية، ودفعهم للقيام بخدمات إضافية أخرى قد يستفيدون منها في سداد مصاريفهم الحياتية.
موقف سيارة بـ10 دنانير
لأن مواقف السيارات أصبحت سلعة نادرة في الكويت بعد تحويل معظم سراديب العمارات لمخازن وتأجيرها لشركات، وعدم توفير مواقف بديلة لسيارات ساكنيها، اضطر الوافد «طلال» المقيم في «ميدان حولي» من استئجار موقف من حارس العمارة التي يقطنها مقابل 10 دنانير تدفع شهرياً.
ويقول إنه خوفاً من عدم توافر موقف لسيارته عند عودته من العمل مساءً، خاطب حارس عمارته بذلك، الذي قام بتثبيت أعمدة معدنية وسلاسل حديدية في أرض إحدى الساحات الترابية المقابلة للعمارة التي يستغلها مع زملائه من الحراس الآخرين لتأجيرها كمواقف لسكان العمارات المجاورة.
120 ديناراً متوسط الراتب
بعد الاستقصاء عن رواتب بعض الحراس في عدد من العمارات السكنية، تبين أن إجمالي الراتب الأساسي للحارس في الكويت الذي يتقاضاه من المالك يتراوح ما بين 90 - 150 ديناراً أي بمتوسط 120 ديناراً شهرياً، علماً بأنه في الغالب لا ينفق منه الكثير، كون أن سكنه متوافر مجاناً ووجبات طعامه عادة يقدمها السكان.
ليه كمية الحقد دي ما كله علي حساب صحته وهي الصحة تساوى فلوس
ردحذفإرسال تعليق